السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يمكن لطالب العلم أن يجمع بين طلب العلم والدعوة إلى الله؟ وأيهما يغلّب على الآخر؟
الجواب: لا تعارض بينهما، لكن كل ميسر لما خلق له، فالله تبارك وتعالى هكذا نوع الخلق، كما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك نحن يا إخوان فيما وهب الله من المواهب، البعض خلقه الله ليكون عالماً حافظاً، فعليه أن يحمد الله على هذه النعمة، وأن يحفظ كتاب الله، ويحفظ من السنة والعلم، ويقوم بهذا الواجب، والبعض لم يؤهل لذلك، لا يكاد يحفظ إلا شيئاً يؤدي به بعض العبادات، ولا يستطيع غير ذلك، لم يكلف به ولكن عليه الدعوة، الكل عليه أن يدعو إلى الله.
وأنا أذكركم بأمر جامع نافع -إن شاء الله- مبسّط جداً في هذا الموضوع؛ لأن هذه الأسئلة هي دلالة على مشكلة في أذهان الشباب يفكرون فيها، وحلها سهل جداً: هل أكون داعية أو معلماً أو أشتغل بهذا دون هذا؟ أو أشتغل بالجهاد أو أشتغل بالعلم؟ أسئلة كثيرة، وأضرب لكم مثلاً واحداً:
لو أن ما يعلم الجميع من المنكرات أُنكر وما يعلم الجميع -حتى العوام والعمال- من الواجبات أقيم، انحلت مشكلة الأمة الإسلامية، مشكلتنا ليست لأننا لا نعلم أن الربا حرام، أو أن الزنا حرام، وبعد ذلك نحتاج أن نتعلم ونعلم لكي نعرف أنه حرام، لا. أحكام الربا الفرعية فيها ما يشتبه، فيها ما يحتاج للعلماء والفقهاء.
لكن لو أننا حرصنا على أن ندعو أنفسنا وإخواننا بالوعظ والتذكير وبالتأثير إلى ترك الربا .. إلى ترك الزنا .. إلى ترك الأمور التي لا إشكال فيها، ولا يجادلك فيها أحد، ماذا يحدث؟ يتغير وجه الأمة، يتغير حال الأمة، فتتحول من الفرقة إلى الاجتماع، ومن الهزيمة والذل إلى الانتصار والعزة والكرامة، بإذن الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأن المشكلة عندنا ليست الجهل ببعض الأحكام أو تفريعاتها، المشكلة عندنا الجواب عليها في كتاب الله، ولا أطيل عليكم، لكن هذه قضية منهجية جدير بي وبكم أن نفقهها.
الذي جاء في كتاب الله من الأحكام، جاء النهي مثلاً: ((
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى))[الإسراء:32] نعم، والربا جاء فيه ما جاء من الوعيد، لكن الآيات التي تعد بالألوف جاءت في تثبيت وترسيخ الإيمان بالله واليوم الآخر، ومشاهد القيامة وأحوال الناس إذا لقوا الله تبارك وتعالى، وأحوال النفوس وعلاجها وكيف تزكو، وكيف تطهر، وكيف تعرف الله وكيف وكيف ... إذا قرأت سورة في القرآن تجد هذا هو الموضوع، فنحن الآن اختزلنا هذه الموضوعات في أننا ندعو، شخص يقول: مشكلة الإسبال، والآخر يقول: انتشار الزنا، وثالث يقول: عندنا قطيعة، وهذا الكلام كله صحيح، لكن العلاج هو لو أننا عدنا إلى القرآن وربينا أنفسنا والأمة على القرآن، وأكثرنا من ذكر الله وذكر الدار الآخرة وما جاء في القرآن عنها، لتغير حالنا هذا ولم نحتج إلى شيء بعده.
أقول هذا حتى يبدأ كل منا بنفسه ويعيد كل حياته وفقاً للقرآن.
ولاحظ أيضاً ما يحفظ الواحد منكم مثل بعض الشباب الذين أراهم لا يزالون في سن مبكرة، فهو أول ما يبدأ يحفظ يحفظ جزء (عم)، جزء عم ما موضوعه؟ ماذا فيه من أحكام؟ موضوعه الآية الواحدة والسورة الواحدة فيها العجب العجاب، لكن نحن لا نكاد نوليها اهتمامنا، إذا دخل المسجد كيف تحذر من كذا ومن كذا..
إذا دخل المسجد تحذير من التبرج، وتحذير من الإسبال وتحذير من كذا ..، وهذا كلام طيب ولا نقول فيه شيئاً، لكنه عندما يقرأ القرآن يشعر أن هناك أشياء أخرى أكبر وأعظم، وهذه كلها فروع لها.
لو قرأ فقط: ((
أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ *
حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ))[التكاثر:1-2] كم شخص منا يشرح لأبنائه هذه السورة؟ ((
الْقَارِعَةُ))[القارعة:1] .. ((
وَالْعَصْرِ))[العصر:1] .. ((
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ))[التين:1]، هذه المعاني العظيمة: ((
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ *
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ *
وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ))[الماعون:1-3].
لو علّمنا أبناءنا هذه فهي أولى وأهم من بعض الأمور الأخرى، وإن كانت كلها من الدين، وكلها حق، لكن أقول: لو ربينا أبناءنا على القرآن، وعلى عظمة الله تبارك وتعالى: ((
وَالْفَجْرِ *
وَلَيَالٍ عَشْرٍ))[الفجر:1-2]، لأخذ كل منهم عبرة عظيمة، فكلما سمع عن فرعون أو رأى آثاراً تذكر أن من عصى الله عوقب، فإن ذلك يمنعه من ذنوب أنت لا تعلمها، ولا تدري أين يمارسها.
ولذلك أوصي نفسي وإخواني أن نرجع إلى القرآن وأن نربي أنفسنا عليه، وأن نبدأ بما بدأ الله تعالى به، والأمور الأخرى تأتي تبعاً، بل لو فعلها وهو مؤمن حقيقة بهذه المعاني فسرعان ما يتوب، ومن فعلها وهو غافل وذكرته بالله فسرعان ما يتذكر، لكن تأتي إلى شخص وأنت تصلي معه وتقول له: أراك مسبلاً، فهو يرى أنك اعتديت على شخصيته، لماذا؟ الخواء الداخلي.
لكن ابدأ بتذكيره بالله وعذاب القبر ونعيمه ثم كذا وكذا، ثم قل له هذا لاحقاً، ستجد أنه يستجيب.